2 - لعنة المشاهير..
* ذات صباح دافئ، من شتاء عام 1799م، وبمصادفة رتبها القدر حتماً، وأثناء الحملة الفرنسية على (مصر)، عثر جندى فرنسى على حجر فى مدينة (رشيد) المصرية، يعتبره علماء الآثار، فى يومنا هذا، أعظم كشوف القرن على الإطلاق..
فذلك الحجر، الذى أطلقوا عليه اسم (حجر رشيد)، والذى هو من مادة البازلت، كان يحوى كتابات بثلاث لغات.. اليونانية القديمة، والقبطية أو الديموطيقية، والهيروغليفية..
وتعود الأهمية الأثرية البالغة لهذا الحجر، إلى أنه حتى كشفه، كانت الهيروغليفية، بالنسبة للعالم كله، مجرد نقوش منظمة، يسعى العلماء لاستنتاج أو استنباط ما تعنيه، دون أن يتمكنوا من حل رموزها، أو تحديد منطوقها، بأى حال من الأحوال.. وعندما تم كشف (حجر رشيد)، وجد الأثريون أن الكتابة اليونانية، هى ترجمة أمينة ودقيقة للكتابة الديموطيقية، الموجودة على وجه آخر منه..
وكان هذا يعنى، من باب المنطق، أن الكتابة الهيروغليفية، هى أيضاً ترجمة أمينة ودقيقة للنص نفسه..
وعلى الرغم من أن وسائل الاتصال كانت ضعيفة للغاية، فى ذلك الزمن، مقارنة لما أصبحت عليه، بعد قرن واحد من الزمان، وليس فى عصرنا الحالى بالطبع، والذى حدث فيه تطور مدهش، فى نظم ووسائل الاتصال، فى الفترة بين مقدمة المقال، وهذه السطور، فقد طار الخبر إلى (أوروبا) كلها، فانتعش علماءها، والتهب حماسهم، والتهبت عقولهم، وهم يجدون أمامهم فرصة نادرة، لكشف أسرار وغوامض اللغة الهيروغليفية، مع كل ما قد يحمله هذا من كشف لتاريخ (مصر) القديمة، وفراعنتها، وعلومها، وأسرارها الخفية، التى لم يصل العلم الحديث، إلى بعضها، حتى لحظتنا هذه..
ولأن (نابليون بونابرت)، الذى كانت حملته تحتل (مصر)، فى ذلك الحين، كان مغرماً بالعلم والعلوم، ويرغب دوماً فى أن يرتبط عصره بالكشوف العظيمة، فى كل المجالات، فقد سارع بنقل الحجر إلى (باريس)، حتى تتم دراسته، على أيدى الخبراء هناك..
وبكل شغف ولهفة الدنيا، أقبل العلماء على فحص الحجر، وتدوين ما عليه من كتابات ونقوش، ثم راحوا يدرسون، ويفحصون، ويمحصون، و…
وييأسون أيضاً..
فالأمر لم يكن أبداً بالسهولة، التى أوحى بها الأمر منذ البداية..
فلا أحد منهم كان يعمل من أين يبدأ الترجمة!!.. أمن اليمين، أم اليسار، أم من أعلى، أو أسفل..
ولسنوات وسنوات، وعلى الرغم من كل ما بذله العلماء من جهد، فقد فشلت كل محاولاتهم لترجمة اللغة الهيروغليفية، وكشف أسرارها..
حتى جاء (شامبليون)..
كان (جان فرانسوا شامبليون) من العلماء الشبان، الذين عشقوا الحضارة الفرعونية، منذ نعومة أظافرهم، والذين جذبهم بشدة (حجر رشيد)، وكل ما يمكن أن يمنحه من كشوف هائلة، لذا فقد اتخذ قراراً جريئاً، بأن يتفرغ تماماً لمهمة فحصه، وترجمته، وكشف أسرار اللغة الهيروغليفية، التى ستساعد العالم كله على الإطلال من نافذة هائلة، على حضارة تعد الأعظم، بين كل الحضارات، التى شهدها العالم القديم..
ولقد بدأ (شامبليون) مهمته، وهو فى الحادية والعشرين من عمره، وتفرغ لها تماماً، وراح يوصل الليل بالنهار، بحثاً عن طرف خيط، يمكن أن يقوده إلى حل اللغز..
ثم، وعلى خلاف الآخرين، لاحظ (شامبليون) أن عدد أسماء الملوك، فى النصين اليونانى والديموطيقى، يتطابق تماماً مع عدد الخراطيش، فى النص الهيروغليفى، لذا فقد استنتج من هذا أن الخراطيش تحوى داخلها أسماء الملوك..
ومن هنا، انطلق (شامبليون)..
وبحسبة بسيطة، حدَّد أسماء الملوك، فى النص الهيروغليفى، وترجمها، وسجل حروفها، وانطلق منها إلى باقى النص..
وبعد إحدى عشر عاماً، وفى عام 1916م، توصل (شامبليون) إلى أعظم كشوف الزمان، فى علم الآثار والتاريخ القديم، وحل رموز اللغة الهيروغليفية..
وفتح أنظار العالم كله على الفراعنة..
وعلى دنيا الفراعنة..
وفى ليلة وضحاها، أصبح (شامبليون) أعظم علماء عصره، وهو بعد فى الثانية والثلاثين من عمره، وأحاطت به الشهرة من كل جانب، وتحوَّل إلى أشهر خبير فى لغة الفراعنة، و…
وفجأة، تفجَّرت فى وجهه اللعنة..
فعلى حين غرة، ودون أسباب واضحة، أصيب (شامبليون) بشلل رباعى، وحمى غامضة، وراح يهذى ويرتجف، ثم لم يلبث أن قضى نحبه، تاركاً خلفه من يروى هلاوسه الأخيرة..
وبالمصادفة، كانت كلها عن الفراعنة.. وانتقام الفراعنة..
كان هذا عام 1932م، كما يروى لنا ذلك الكتاب، الذى تحدَّث عن تاريخ لعنة الفراعنة، السابق لاكتشاف مقبرة (توت غنخ آمون).
ولا يكتفى الكتاب بربط أشهر عالم آثار بتلك اللعنة الوهمية، وإنما يسبح معنا إلى ما هو أبعد من هذا..
إلى (تيودور بلهارز)، أستاذ علم التشريح المرضى، ومكتشف أشهر مرض يصيب المصريين، منذ أيام الفراعنة..
البلهارزيا..
ويقول الكتاب أن (تيودور بلهارز) قد قضى شطراً طويلاً، فى حياته القصيرة، يطارد تلك الدودة القاتلة، التى تخترق أجساد المصريين، وتستقر فى أكبادهم، وتدمرهم تدميراً بطيئاً منتظماً، وتسلبهم نشاطهم وحيويتهم..
ثم حياتهم فيما بعد..
وبعد تلك السنوات، خطرت فى ذهن (بلهارز) فكرة عجيبة..
ترى متى بدأت (البلهارزيا) فى حربها مع المصريين؟!..
وفى سبيل إجابة السؤال، لجأ (بلهارز) إلى أمر لم يخطر ببال سواه قط، إذ انتقل بأبحاثه من الموتى المصابين بالمرض، إلى مومياوات الفراعنة القدامى، وبالذات تلك الخاصة بالعمال والمزارعين، الذين تدفعهم ظروف عملهم للخوض فى مياه النيل طوال الوقت..
أيامها، لم يكن للآثار قيمتها الحالية، ولم تكن هناك تشريعات قوية، لحمايتها والحفاظ عليها، لذا كان من الممكن أن يبتاع (بلهارز) بعض المومياوات، التى يتم العثور عليها فى الجنوب، أثناء أعمال الحفر والبناء، وأن يجرى عليها تجاربه..
وكان هذا يعنى بالطبع نبش قبور القدامى، واستخراج مومياواتهم، بل وتشريحها والتمثيل بها أيضاً..
ولقد نجحت تجارب (تيودور بلهارز) إلى حد كبير، إذ أثبت بالفعل أن المصريين القدامى أصابتهم (البلهارزيا)، منذ آلاف السنين، بل وعثر على بعض الديدان المحنطة داخلهم بالفعل..
ولكن فجأة، وقبل أن يسجل (بلهارز) تجاربه رسمياً وعلمياً، أصابته حمى مجهولة..
حمى لا تشبه التيفوئيد، أو أية حمى معروفة أخرى..
ومع الحمى، التى لم يتم تشخيصها أو علاجها بالطبع، راح (بلهارز) يهذى، ويصرخ ويهذى وتراوده هلاوس عجيبة، حول المومياوات، التى قام بتشريحها، والتى بدت له وكأنها قد عادت إلى الحياة، لتنتقم من ذلك الذى أقلق راحتها، ومثَّل بها، و…
ومات (تيودور بلهارز)، عام 1862م، وهو بعد فى السابعة والثلاثين من عمره، بتلك الحمى المجهولة، التى لم يتم تشخيص أعراضها، حتى يومنا هذا..
وفى هذه المرحلة، لا يحاول الكتاب وضع تفسيرات علمية أو منطقية، لما أصاب (شامبليون) أو (بلهارز)، ربما لأنه شغف بمحاولة تأكيد فكرة لعنة الفراعنة، بأكثر مما اهتم بتفسيرها..
ولكن هذا كان دأب الجميع، فى تلك المرحلة الزمنية، خاصة وأن الفكرة نفسها بدت جذابة ومثيرة، خاصة وهى ترتبط بعالم الأسرار والأساطير، وحمى السحر والتنجيم والغموض..
ودون أية دلائل علمية أو تاريخية، أعقبت ذلك الكتاب عدة كتب أخرى، تنسب موت عشرات المشاهير إلى لعنة الفراعنة، التى صارت صرعة النصف الأول من القرن العشرين..
حتى (يوليوس قيصر) نفسه، ادعوا أن لعنة الفراعنة قد طاردته، وأصابت عقله بحمى جنونية، دفعته إلى تلك الأفعال الديكتاتورية، التى انتهت بمقتله واغتياله، على يد مجموعة من المقربين له، وعلى رأسهم ربيبه (بروتس)..
وأصيب الناس بالضجر والملل، من هذه الكتب السخيفة، وقرَّروا تجاهلها فجأة، فانخفضت مبيعاتها إلى حد كبير، وبدا وكأن لعبة لعنة الفراعنة هذه قد بلغت نهايتها، و..
وفجأة، ظهر كتاب جديد فى الأسواق..
كتاب قلب كل الموازين، رأساً على عقب..
وبمنتهى العنف. يتبع